فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}.
ليس من يأتي طوعًا كمن يأتي جَبْرًا، فإن الذي يأتي قهرًا لا يعرف للحق سبحانه قدرًا، وفي معناه أنشدوا:
إذا كان لا يرضيك إلا شفاعة ** فلا خير في ود يكون لشافعِ

وأنشدوا:
إذا أنا عاتبتُ الملولَ فإنَّما ** أَخُطُّ بأقلامي على الماء أَحْرُفَا

وَهَبْهُ ارْعَوَى بعد العتاب ** ألم يكن تودده طبعًا، فصار تكلُّفا؟

ويقال قصارى من أتى خيرًا أن ينكص على عقبيه طوعًا، كذلك لمَّا قابلوا الكتاب بالإجبار ما لبثوا حتى قابلوه بالتحريف. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {القرية التي كانت حاضرة البحر} هي قرية الجسد الحيواني على شاطئ بحر البشرية، وأهل قرية الجسد الصفات الإنسانية صنف روحاني كصفات الروح، وصنف قلبي كصفات القلب، وصنف نفساني كصفات النفس الأمارة بالسوء، وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية في سبت محارم الله، فلم تنتهك الحرمة إلا الصفات النفسانية {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا} لأن الإنسان حريص على ما منع فتهيج الدواعي في المحرمات دون المحللات {بما كانوا يفسقون} أي بما كان من طبيعة النفس وصفاتها من الخروج عن أمر الله أنها أمارة بالسوء {وإذ قالت أمة منها} هي صفات القلب قالوا لصفات الروح {لم تعظون قومًا الله مهلكهم} بالمخالفات عند استيفاء اللذات والشهوات {أو معذبهم عذابًا شديدًا} وهو المسخ بتبديل الصفات الإنسانية إلى الصفات الحيوانية {قالوا معذرة إلى ربكم} لأنه خلقنا هكذا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر فنقضي ما علينا ليعلم أنّا ما تغيرنا عن أوصافنا الروحانية والملكية، ولعل النفس وصفاتها {يتقون} فتتصف بالمأمورية والاطمئنان فإنها قابلة لذلك {بعذاب بئيس} وهو إبطال استعداد قبول الفيض الإلهي {ليبعثن عليهم} على الأرواح والقلوب الذين يتبعون النفس وصفاتها {من يسومهم} وهو الشيطان المنظر إلى يوم القيامة {سوء العذاب} عذاب البعد عن الله وعذاب ذلة الخدمة للنفس والشيطان {وقطعناهم} فرقنا الأرواح والقلوب في أرض الأجساد {منهم الصالحون} قابلون لفيض نور الله: {ومنهم دون ذلك} في القبول {وبلوناهم بالحسنات} وهي الطاعات {والسيئات} وهي المعاصي {لعلهم يرجعون} إلى الحق. وذلك أن السير إلى الله يتم بقدم الطاعة وبقدم ترك المعصية ومن هنا قيل خطوتان وقد وصلت. أو بلوناهم بالحسنات ليرجعوا إلينا بقدم الشكر، والسيئات ليرجعوا بقدم الصبر أو بلوناهم بكثرة الطاعات والعجب بها كما كان حل إبليس وبكثرة المعاصي والندامة عليها كما كان حال آدم {فخلف} من بعد الأرواح والقلوب لما سلكوا طريق الحق ووصلوا إلى مقعد صدق خلفهم النفوس الأمارة بالسوء {ورثوا الكتاب} وهو ما ألهم الله تعالى الأرواح والقلوب من المواعظ والحكم والمعاني والأسرار وورثتها النفوس وجعلوها ذريعة للعروض الدنياوية وتحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات {ويقولون سيغفر لنا} مثل هذه الزلات لأنا واصلون كاملون كما هو مذهب أهل الإباحة، أو سيغفر لنا إذا اسغفرنا وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب {وإذ نتقنا الجبل} فيه أن الإنسان لو وكل إلى طبعه ونفسه لا يقبل شيئًا من الأمور الدينية وإنما يعان على القبول بأمر ظاهر أو باطن.
وفيه أن على رؤوس أهل الطلب جبل أمر الحق وهو أمر التحويل فيحولهم بالقدرة إلى أن يأخذوا ما آتاهم الله تعالى بقوة منه لا بقوتهم وإرادتهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (172):

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر أنه ألزمهم أحكام الكتاب على هذه الهيئة القاهرة الملجئة القاسرة التي هي من أعظم المواثيق عند أهل الأخذ وأنه أكد عليهم المواثيق في كثير من فصول الكتاب، وكان ذلك كله خاصًا بهم؛ أمره أن يذكر لهم أنه ركب لهم في عموم هذا النوع الآدمي من العقول ونصب من الأدلة الموضحة للأمر إيضاح المشهود للشاهد ما لو عذب تاركه والمتهاون به لكان تعذيبه جاريًا على المناهج ملائمًا للعقول، ولكنه لسبق رحمته وغلبة رأفته لم يؤاخذ بذلك حتى ضم إليه الرسل، وأنزل معهم الكتب، وأكثر فيها من المواثيق، وزاد في الكشف والبيان، وإلى ذلك الإشارة باسم الرب، فكأن من عنده علم أشد ملامة من الجاهل، فقال: {وإذ} أي واذكر لهم إذ {أخذ} أي خلق بقوله وقدرته {ربك} أي المحسن إليك بالتمهيد لرسالتك كما يؤخذ القمل بالمشط من الرأس.
ولما كان السياق لأخذ المواثيق والأخذ بقوة، ذكر أخذ الذرية من أقوى نوعي الآدمي، وهم الذكور فقال: {من بني آدم} وذكر أنه جعلها من أمتن الأعضاء فقال: {من ظهورهم} كل واحد من ظهر أبيه {ذريتهم} إشارة إلى أنه أكد عليهم المواثيق وشددها لهم وأمرهم- بالقوة في أمرها، أعطاهم من القوة في التركيب والمزاج ما يكونون به مطيعين لذلك، فهو تكليف بما في الوسع، وجعل لهم عقولًا عند من قال: هو على حقيقته كنملة سليمان عليه الصلاة والسلام {وأشهدهم على أنفسهم} أي أوضح لهم من البراهين من الإنعام بالعقول مع خلق السماوات والأرض وما فيهما على هذا المنوال الشاهد له بالوحدانية وتمام العلم والقدرة، ومن إرسال الرسل المؤيدين بالمعجزات ما كانوا كالشهود بأنه لا رب غيره؛ وقد ذكر معنى هذا الإمام حجة الإسلام الغزالي في الكلام على العقل من باب العلم من الإحياء فإنه قال معنى هذه الآية: والمراد إقرار نفوسهم، لا إقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص؛ ثم ذكر أن النفوس فطرت على معرفة الأشياء على ما هي عليه لقرب الاستعداد للإدراك.
ولما تبين أنه فرد لا شريك له فلا راد لأمره، وأنه رب فلا أرأف منه ولا أرحم، كان ذلك أدعى إلى طاعته خوفًا من سطوته ورجاء لرحمته، فكانوا بذلك بمنزلة من سئل عن الحق فأقر به، فلذلك قال: {ألست بربكم} أي المحسن إليكم بالخلق والتربية بالرزق وغيره {قالوا بلى شهدنا} أي كان علمنا بذلك علمًا شهوديًا، وذلك لأنهم وصلوا بعد البيان إلى حد لا يكون فيه الجواب إلا ذلك فكأنهم قالوه؛ فهو- والله أعلم- من وادي قوله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [الرعد: 15]- الآية و{لله يسجد ما في السماوات والأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون} [النحل: 49].
ولما كان كأنه قيل: لم فعل ذلك؟ قيل: دلالة على أن المتقدم إنما هو على طريق التمثيل يجعل تمكينهم من الاستدلال كالإشهاد، فعله كراهة {أن تقولوا يوم القيامة} أي إن لم ينصب لهم الأدلة {إنا كنا عن هذا} أي وحدانيتك وربوبيتك {غافلين} أي لعدم الأدلة فلذلك أشركنا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ذريتهم} على التوحيد: حمزة وعلي وخلف وابن كثير وعاصم سوى حفص والمفضل. الباقون: على الجمع {يقولوا} بياء الغيبة في الحرفين: أبو عمرو {يلهث ذلك} بالإظهار: حفص والأصفهاني عن ورش، والحلواني عن قالون والنقاش عن أبي ربيعة عن قنبل {يلحدون} بفتح الياء والحاء: حمزة، الباقون: بضم الياء وكسر الحاء من الإلحاد {ولقد ذرأنا} مظهرًا: أبو جعفر ونافع وابن كثير غير ورش وعاصم غير الأعشى {ذرأنا} بغير همزة: أبو عمرو ويزيد والأعشى والأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف. الباقون: بالهمز.

.الوقوف:

{أنفسهم} ج لأن التقدير وقال ألست بربكم مع اتحاد الكلام. بربكم ط فصلًا بين السؤال والجواب. {بلى} ج لأن {شهدنا} يصلح أن يكون من قولهم فيوقف على {شهدنا} ويعلق أن بمحذوف أي فعلنا ذلك لئلا تقولوا، ويصلح أن يكون {شهدنا} من قول الملائكة أي قيل للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا فيكون منفصلًا من جملة بلى متصلًا بأن تقولوا. {غافلين} o لا للعطف {من بعدهم} ج لابتداء الاستفهام واتحاد القائل. {المبطلون} o {يرجعون} o {الغاوين} o {هواه} ج لأن قوله: {فمثله} مبتدأ ولدخول الفاء فيه {كمثل الكلب} ج لابتداء الشرط من أن الجملة تفسير للمثل {أو تتركه يلهث} ط {بآياتنا} ط {يتفكرون} o {يظلمون} o {المهتدي} ج للعطف ولأن التفصيل بين الجملتين أبلغ في التنبيه {الخاسرون} o {والإنس} ط والوصل أولى لأن الجملة بعده صفة ل {كثيرًا}، {لا يفقهون بها} ج لأن العطف صحيح ولكن الوقف لإمهال فرصة الاعتبار وكذا الثانية ولهذا كرر لفظة {لهم} في أول كل جملة {لا يسمعون بها} ط {أضل} ط {الغافلون} o {فادعوه بها} ص لعطف المتفقتين {في أسمائه} ط {يعملون} o {يعدلون} o {لا يعلمون} وج وعطف {وأملي} على {سنستدرجهم} احسن من جعله مستأنفًا فيوقف على {أملي}، {لهم}، {متين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما شرح قصة موسى عليه السلام مع توابعها على أقصى الوجوه ذكر في هذه الآية ما يجري مجرى تقرير الحجة على جميع المكلفين، وفي تفسير هذه الآية قولان: الأول: وهو مذهب المفسرين وأهل الأثر ما روى مسلم بن يسار الجهني أن عمر رضي الله عنه سئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: «إن الله سبحانه وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون» فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة من ذريته إلى يوم القيامة» وقال مقاتل: إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر تتحرك ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فخرج منه الذر سوداء كهيئة الذر فقال يآدم هؤلاء ذريتك.
ثم قال لهم: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى} فقال للبيض هؤلاء في الجنة برحمتي وهم أصحاب اليمين، وقال للسود هؤلاء في النار ولا أبالي وهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ثم أعادهم جميعًا في صلب آدم، فأهل القبول محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال، وأرحام النساء.
وقال تعالى فيمن نقض العهد الأول:{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ} [الأعراف: 102] وهذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسرين كسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعكرة، والكلبي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أبصر آدم في ذريته قومًا لهم نور.